ایکنا

IQNA

نهضة الحسين (ع) مواقف وقِيَم / 6

كلمات في حق علي بن الحسين الأكبر (ع)

16:15 - July 25, 2023
رمز الخبر: 3492071
بيروت ـ إکنا: إذا لا نُبالي، نموت مُحقين. كلمة خالدة قالها علِيُّ بن الحسين الأكبر (ع) لم تزل تتردَّدُ أصداؤها في جنبات التاريخ، وستبقى تتردَّد في الحاضر والمستقبل، وهي موقف مشحون بالعزَّة والإباء والشموخ، وهي منهج ينتهجه النُبَلاء والأحرار والأبرار.

"اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا أبا عَبْدِاللهِ وَعَلَى الأَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ، عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ الله أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ، وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ، اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ، وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَعَلى أَوْلادِ الْحُسَيْنِ، وَعَلى أَصْحابِ الْحُسَيْنِ".

إذا لا نُبالي، نموت مُحقين. كلمة خالدة قالها علِيُّ بن الحسين الأكبر (ع) لم تزل تتردَّدُ أصداؤها في جنبات التاريخ، وستبقى تتردَّد في الحاضر والمستقبل، وهي موقف مشحون بالعزَّة والإباء والشموخ، وهي منهج ينتهجه النُبَلاء والأحرار والأبرار، أن يكونوا على الحق، وأن يقضوا حياتهم كلها يطلبون الحق، ويحملون الحق، ويدافعون عن الحق، ويلقَونَ الله على الحق، ومن ثم لا يُبالون بما يكون وما يحدث لهم من مكاره، وما يجري عليهم من أقدار، لا يُبالون بالموت ما داموا على الحق، ولا يُبالون بقِلَّتِهم وانفضاض الناس عنهم ما داموا على الحق، ولا يتأثرون بالدعاية المغرضة التي تُشَوِّه صورتهم ما داموا على الحق، ولا يبالون بأكاذيب الكذّابين وأراجيف المُرجفين ما داموا على الحق، ولا يبالون بحصار سياسي واقتصادي ما داموا على الحق، ولا يُبالون بتهديد ووعيد وعدوان ما داموا على الحق. 

إنهم قوم أهل بصيرة نافذة ووعي عميق، ويقين بدينهم وقضيتهم وأهدافهم، وهم موقنون مما يقدمون عليه من أفعال وما يختارونه من مواقف وخيارات، ويعلمون ما تقتضيه من كُلَفٍ وأثمانٍ باهظة، ويعلمون أنهم عُرضَةٌ للحصار والتضييق والتنكيل والقتل، ورغم ذلك لا يُبالون ما داموا على الحق.

لماذا قال عليُّ الأكبر كلمته الخالدة تلك؟

يروي الطبري في تاريخه عن عقبة بن سمعان: لَمّا كانَ في آخِرِ اللَّيلِ، أمَرَ الحُسَينُ(ع) بِالاِستِقاءِ مِنَ الماءِ، ثُمَّ أمَرَنا بِالرَّحيلِ، فَفَعَلنا. قالَ: فَلَمَّا ارتَحَلنا مِن قَصرِ بَني مُقاتِلٍ وسِرنا ساعَةً، خَفَقَ الحُسَينُ(ع) بِرَأسِهِ خَفقَةً، ثُمَّ انتَبَهَ وهُوَ يَقولُ: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَالحَمدُ للَّهِ‏ رَبِّ العالَمينَ) قالَ: فَفَعَلَ ذلِكَ مَرَّتَينِ أو ثَلاثاً. قالَ: فَأَقبَلَ إلَيهِ ابنُهُ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ (ع) عَلى‏ فَرَسٍ لَهُ فَقالَ: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَالحَمدُ للَّهِ‏ رَبِّ العالَمينَ) يا أبَتِ، جُعِلتُ فِداكَ! مِمَّ حَمِدتَ اللَّهَ وَاستَرجَعتَ؟. قالَ: يا بُنَيَّ! إنّي خَفَقتُ بِرَأسي خَفقَةً، فَعَنَّ لي فارِسٌ عَلى‏ فَرَسٍ، فَقالَ: القَومُ يَسيرونُ وَالمَنايا تَسري إلَيهِم، فَعَلِمتُ أنَّها أنفُسُنا نُعِيَت إلَينا. قالَ لَهُ: يا أبَتِ، لا أراكَ اللَّهُ سوءاً، ألَسنا عَلَى الحَقِّ؟ قالَ: بَلى‏ وَالَّذي إلَيهِ مَرجِعُ العِبادِ؛ قالَ: يا أبَتِ، إذَن لا نُبالي؛ نَموتُ مُحِقّينَ. فَقالَ لَهُ: جَزاكَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ خَيرَ ما جَزى‏ وَلَداً عَن والِدِهِ. 

فالحسين (ع) ينعى نفسه ونفوس أولاده وأخوته وأصحابه، يخبر ولده أنهم قادمون على الموت شهداء، فيجيبه عَلِيُّ الأكبر: "إذاً لا نُبالي"، وهذا موقف قد يصدر من أيِّ شابٍ فَتِيٍّ يفيض حماسة وشجاعة، كثير من الشباب يلقون بأنفسهم على الموت، يذهبون إلى سوح القتال بإرادتهم، بعضهم يدفعه الحماس، وقد يكون طائشاً في حماسه، وبعضهم يدفعه حُبُّ القِتال وحسب، وبعضهم قد يسترزق من القتال كحال كثير من المُرتَزَقة الذين توَظِّفهم شركات عالَمية للقتال في هذا البلد أو ذاك، وبعضهم قد يدفعه هدفٌ نبيل أو غير نبيل، فهؤلاء جميعاً يقولون: لا نُبالي.

ميزة موقف عَلِيِّ الأكبر في الشطر الثاني من موقفه الخالد: "نموت مُحقِّين" فليس المهم أن تنهض للقتال المهم أن يكون نهوضك لهدف شريف، أن تنهض للحق، وليس المهم تثور على الظالم فتسقطه وتستبدله بظالم مثله، وقد يكون أظلم وأطغى، بل المهم أن تثور على كل ظلم وعلى كل ظالم، أن تثور على الظلم فيك أنت، أن تسقطه عن عرشه في نفسك، وتسقطه عن عرشه في الواقع الخارجي سواء كان من جماعتك أم كان من أعدائك، وليس مهماً أن تقاتل، فالمقاتلون في جبهة الباطل كثير، المهم أن تقاتل في جبهة الحق، وأن تكون الغاية من قتلك نُصرة الحق، وأن تُصرَعَ في ميدان الحق.

هنا إن قلت: "لا نُبالي" كنت مُصيباً لأنك مسؤول بين يدي الله عن كل جُهد جَهِدتَه، وعن كل تعب تَعِبتَه، وعن كل قطرة دم بذلتها، هل كان جهدك وتعبك ودمك في الحق أم في الباطل؟!لأيٍّ منهما كنت تنتصر؟! فإن كنت بذلت ذلك في مواجهة الحق فلن تنال منه إلا الخزي والعار في الدنيا والآخرة، وإن كنت بذلتَ ذلك في الحق ذُكِرتَ في الأبرار في الدنيا، ونِلْتَ مقام الصديقين الأخيار في الآخرة. 

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

captcha